قصيدة حب


سأكتب عن الحبّ بقوّة ، فأنا اختصار كوني لعشق لا يعرف مكانه الا الفلكيون الجدد . انهم يبحثون عنّي في المسارات ، يا للغرابة كيف يمكنهم رؤيتي و أنا كوكب جليدي قد ذوبته الرياح ؟ منذ ذلك الحين و أنا أتلاشى في نهر من الدموع، كل ما أجيده أني أنزل كل يوم من ينابيع شديدة الربيق نحو واد ضبابي لا يعرف شيئا عن الحكايات . رسائلي لا تُقرأ ، و سنيني شيء لا يمكن تصوّره، انّها مجرد ذكرى من زمن الأضواء المطفأة ، كلّ شيء هنا يدور كعجلة تائهة، و أنا تلك الشجرة الغريبة ، أقف هناك و على رأسي تاج من شوق ، أتطلّع الى الطريق عسى أن تأتيَ ولو بشكل غيمة. انني أبكي كل يوم لكلّ هذا الشوق ، أبكي لأنني أتيه في عالمك الفسيح. إنني أبكي بقوة لأنني سعيد جداً بك.






























from Blogger http://ift.tt/2eX5D2H
via IFTTT

كتاب ( الاسلام دين الفطرة )


تم و الحمد لله كتاب ( الاسلام دين الفطرة ) للدكتور انور غني الموسوي  و هو  الكتاب الخامسون الثلاثون له الكترونيا .




الاسلام دين الفطرة PDF

from Blogger http://ift.tt/2dpfdKw
via IFTTT

الاستعارة التعبيرية عند عادل قاسم







الاستعارة قديمة قِدم الأدب و الشعر ، بل قدم الكتابة ، فما الكتابة الا استعارة رموز بصرية لتدل على الالفاظ . و لقد احتلت الاستعارة مكانة مركزية في الدراسات الادبية الكلاسيكية و خصوصا البلاغية ، و كانت و لا تزال احد أركان الشعر و التعبير الادبي . و مع ان التعاريف المتأخرة للاستعارة  تنتهي الى حقيقة انها  تشبيه حذف احد طرفيه (1) و تقسم عادة  الى  تصريحية و مكنية و تخييلية و تمثيلية (2) الا ان الفهم الحقيقي للاستعارة هو   نقل المعنى من أحد لفظين إلى الآخر كنقل الشيء المستعار من شخص إلى الآخر.  (3) . و أهم هذه التقسيمات و انواعها و التي تخدم البحث الأسلوبي المعاصر للنص المعاصر هي الاستعارة التخييلية التي تبحث في ماهية طرفيها من حيث المادية و المعنوية و الحسية و الذهنية (4) و بسبب التوسع الكبير في الاستعارة في الادب المعاصر كان البحث في جهة الملائمة بين طرفيها و عدمها هو الاهم من بين تلك الابحاث من حيث كونها عامية واضحة الملائمة او خاصية تحتاج الى تأمل (5) و من المعلوم ان النص المعاصر يعتمد الاستعارة التخييلية الخاصية التي تعتمد المناسبة التخييلية و يحتاج تبين الملائمة الى تأمل .
اننا و من خلال متابعة الكتابات المعاصرة و خصوصا الشعرية منها و بالأخص قصيدة النثر، فانا نجد اشكالا من الاستعارة و اساليب فيها لا تستوعبها الحدود و المفاهيم المتأخرة بل لا بد من التوسع في فهم الاستعارة حتى تصل الى معناها اللغوي وهي استعارة معنى من لفظ الى آخر (6) وهي بذلك تنتهي الى الرمزية و تستوعبها بسير. و حينما تنطوي الرمزية على عمق فردي و تميز ذاتي و اضافة شخصية على التصور و الفهم اللغوي فانها تنتج التعبيرية .
و التعبيرية هي الافصاح الخاص عن الرؤية العميقة الفردية للأشياء ، فهي تنطوي على التفرد و الاختلاف في الرؤية و البيان (7)، انها لا تعكس ازمة الفرد من خلال بيان ازمة المجتمع بل تعكس ازمة المجتمع من خلال تمثلها و تلبسها في الفرد (8) فالكاتب تعبيري يندب المجتمع الميت بالكتابة عن نفسه الميتة و يندبها  و، وهنا تكمن جمالية التعبيرية ، و تميزها الاسلوبي ، و لو  قلنا ان الادب و خصوصا الشعر هو افصاح تعبيري لما كان خطأ ، بل لو قلنا ان الاسلوب هو تميّز تعبيري و بدرجات مختلفة لما كان خطأ ايضا . و اننا نرى انّ النص الادبي العربي المعاصر و خصوصا الشعري منه يتبنى التعبيرية بحذافيرها بوعي او من دون وعي ، فان أدباء التعبيرية يهتمون في الأساس بالمضمون والإرادة والموقف الأخلاقى. و التجربة الداخلية للفنان والأديب لابد من أن تظهر على السطح في شكل طاغ من خلال التعبير عما يدور في داخله (9) . و لو تفحصنا كتابات الشاعر عادل قاسم  لوجدنا طغيانا لهذا الشكل من الأدب (10)
و من هنا يكون واضحا ان التوظيف الاستعاري اذا اتصف بفردية و تميز خاص ، و اشتمل على المغايرة و الاعتراض الواضح على الخارج و السائد ، مع تلبس المؤلف بالمأساة و ندب نفسه بغاية ندب المجتمع و الواقع  كانت تلك تعبيرية  و مع التخييلية و الخاصية في المجاز و الاستعارة تكون لدينا استعارة رمزية تعبيرية  ، و بهذا الفهم يمكن فهم الاستعارة على انها اسلوب تعبيري ، و هنا سنبحث شكلا من الاستعارة تتجلى فيه التعبيرية الى حد يخرجها من النمطية المعهودة و ينقلها الى عالم تعبيري  جدي و اصيل و تجديدي  و هو ما اسميناه ( الاستعارة التعبيرية )، و ستكون كتابات الشاعر عادل قاسم انموذجا لهذه الاساليب لما بيناه من تجلي الاستعارة الاسلوبية في كتاباته بشكل واضح.
فالاستعارة التعبيرية اضافة الى ما تتصف به الاستعارة عموما فانها تحمل طاقات تعبيرية و رمزية و تفردات اسلوبية متميزة ، و يمكن ملاحظة و متابعة شكلين واضحين من الاستعارة التعبيرية في الشعر و كتابات عادل قاسم خصوصا ، هي ( الاستعارة التعبيرية التوافقية ) وهي التي يتوافق فيها الرمز مع الرؤية و الرسالة  اي ان المؤلف يقول في رمزيته ما يوافق مراده و يمكن ان نسميها ( الاستعارة الرمزية ) بشكل عام ، و( الاستعارة  التعبيرية التضادية ) و هي التي تشتمل على معاندة و تضاد بين الرمز و القصد اي ان المؤلف يقول عكس ما يريد برمزيته  فهي من قبيل الاستعارة التلميحية و يمكن ان نسميها الاستعارة التبادلية و قد بحثناها سابقا في اللغة التبادلية في شعر انور غني الموسوي ( 11).
في قصيدة (قدمي اليمنى ) المنشورة في مجلة تجديد الأدبية  (12) يقول عادل قاسم

( قَدَمي اليُمنى )
عادل قاسم
(( يتوارى خلفَ جُدران الحروفِ السميكة ،كلبٌ يتربصُ بالغبار ، ماعادت الأشرعةُ ولا مراكب الرغبةِ تقودُنا لمناراتِ الخلاص، إنطفأت المصابيحُ وتهاوت الفنارات، تحتَ بساطيلِ القراصنة، مسافرون على غير هدى ًنتبعُ ضياءَ نجمةٍ ميتة، عسى ان ترشدَنا لراية يكحُلُها الندى، كنتُ متوقفاً على حافةِ الصراط، أراقبُ بِدهشةٍ كيفَ يمر عليه المجانين بثقة، وضعت قدمي اليمنى مرتعباً، وانا أنظرُ أسفلَ الوادي السحيق وزفيره الذي يميزُ من الغيظ . لأجري أخيراً برشاقةِ المجانينِ وخِفتِهم..!
يَقف دونما حراكٍ ،ذلك العجوزُ يقلبُ الايام ،المساءآت، التي تنطفئ، ليزدادَ انحناءً، ذاتَ مساءٍ تخشبَ جَسدهُ الطري أصبحَ زَورقاً صغيراً، يُبحرُ في شواطئٍ من الغبار .))

هذه القصيدة السردية العذبة التي تتجلى فيها   الشعرية  و تقنياتها من انزياحات و عمق و تلميحات ، مع رمزية قريبة و رسالة واضحة ، و مجاز و استعارات لفظية كثيرة ،  نجح الشاعر في توظيفاته الرمزية و استطاع ان يبعث رمزية نصية في المفردات و خرج المفردات من مرجعيتها ، فصار لديه مجال تشبيهي و استعاري متعدد الروافد ، و لا يمكن مطلقا تناول هكذا كتابات بالفهم البلاغي للاستعارة و التحديدات التي وضعها البلاغيون ، و هذا كما يشير الى قصور التناول الاكاديمي البلاغي للنص الادبي فانه ايضا فيه اشارة الى عجز باقي التناولات الاكاديمية للنصوص الادبية كاللسانيات حيث ان الاستعارة في الشعر المعاصر     تتسع بسعة الشعر ، فتكون هي الشعرية و تكون الشعرية هي الاستعارة ، و من هنا فجميع الانزياحات و التفردات الاسلوبية في النص هي في جوهرها استعارة حيث استعارة المؤلف شيئا لشيء وهذا ما نشير اليه كثيرا بالتوظيفات و التقنيات الشعرية ، و نص ( قدمي اليمنى )  المتقدم مليء بالتوظيفات الانزياحية التي يسع وقت تتبعها .
ان الاستعارة الرمزية التوافقية تبرز في استعمالات معينة في النص ، حيث يتطابق المراد و الاستعمال  و الانزياح الاستعاري فتكون كلها في اتجاه واحد ، و هذا في قبال الاستعارة التضادية التبادلية التي تتقاطع و تتعاكس تلك الجهات . فمن الاستعارات الرمزية في النص
((  كلبٌ يتربصُ بالغبار ، ما عادت الأشرعةُ  تقودُنا ،  يقلبُ الايام ،المساءآت التي تنطفئ،   تخشبَ جَسدهُ الطري ، يُبحرُ في شواطئٍ من الغبار )) من الواضح الاستعمال الاستعاري في هذه المقاطع سواء بالفهم الخاص البلاغي او بالفهم العام الذي بيناه كما انه من الواضح الرمزية التي توحي و تدل عليها المقاطع ، و من الواضح التوافق في المقاصد و الاستعمالات و الرسالة .
في جهة خرى نجد استعمالات استعاري تلبسية و تبادلية يضع المؤلف الاشياء و نفسه في موقع الاخر فبينما تتصدر القصيدة وصف للحال الجماعية فان الشاعر ينتقل الى مشهدين الاول عن الذات المتكلم و الثاني عن شخصية العجوز . فهنا ثلاث شخصيات في النص ( الجماعة ، الانا ، و العجوز )  و بينما يكون الوصف المأساوي و التراجعي موافقا لرسالة الخلاص  في النص في شخصية ( الجماعة )   و ايضا الى حد ما في الشخصية الثالثة العجوز ، الا ان تلبس هذه التراجعية و تلبيسها الذات هو من الرمزية التبادلية وهو استعارة تعبيرية واضحة . و اضافة الى مقاطع رمزية تستعير فيها التراكيب الجملية المركبة معاني اخرى ، فان الاستعارة حاصلة هنا على مستوى المفردات . و من قبيل الاول أي الاستعارة الجملية التركيبية التمثيل الرمزي الذي تلبس به المؤلف و الازمة الذاتية التي يصفها النص و التي يراد بها الاخر و الخارجي في قوله   (كنتُ متوقفاً على حافةِ الصراط، أراقبُ بِدهشةٍ كيفَ يمر عليه المجانين بثقة، وضعت قدمي اليمنى مرتعباً، وانا أنظرُ أسفلَ الوادي السحيق وزفيره الذي يميزُ من الغيظ . لأجري أخيراً برشاقةِ المجانينِ وخِفتِهم..! ) فهنا مركبين جمليين استعمل فيهما الظاهر المعنوي الاستعمالي بخلاف القصد المرادي ، فلا توقف هنا حقيقة و لا ثقة ، و انما جو يغلي و جنون اعمى . و من الثاني أي الاستعارة المفرداتية عبارات ( كلبٌ يتربصُ بالغبار ،  عسى ان ترشدَنا لراية يكحُلُها الندى، ، لأجري أخيراً برشاقةِ المجانينِ وخِفتِهم ،  يقلبُ الايام ،المساءآت ، أصبحَ زَورقاً صغيراً)
لقد اشتمل هذا النص على تقنيات شعرية و انزياحية و استعارية كثيرة و كبير ، و وظفت كل تلك الاشتغالات لأجل تعظيم طاقات اللغة و لبلوغ النص غاياته ، و من خلال تلك الانجازات التي حققها المؤلف في النص من حيث الفنية العالية و المعقدة ، و الرسالة الواضحة  و العميقة ، و العذوبة و السلاسة الكتابية ، بلغ بالنص حالة النص الكامل .و ربما نكون قد تفردنا في تناول الاستعارة التركيبية للجمل و لم نقتصر على الاستعارة في المفردات ، حيث اننا نرى ان الاستعارة لا تحتاج الى الوضع في اصل اللغة ، و انما تحتاج الى وعي بالمعنى يرتكز عليه ، وهذا السبب ذاته أي فقد الاصل الوضعي للمركبات هو الذي منع الاخرين من بحث الاستعارة التركيبية للجمل و الاقتصار على الاستعارة المفرداتية .

1-    http://ift.tt/2dPor3P
2-    http://ift.tt/2cX45PR
3-    http://ift.tt/2dPnVmh
4-    http://ift.tt/2cX45PR
5-    http://ift.tt/2cX3VYS
6-     http://ift.tt/2dPnVmh
7-     http://ift.tt/2dPotsq
8-     http://ift.tt/2cX3WMq
9-    http://ift.tt/2dPosVr
10-                        http://ift.tt/2cX2h9G
11-                       http://ift.tt/1nzIBif
12-                        http://ift.tt/2cX3Mom

from Blogger http://ift.tt/2dBxi5d
via IFTTT

أنظمة التعبير الموازية

 لا يمكن و بأيّ حال من الاحوال انكار التطور الهائل الذي حصل على النص الأدبي في المئة سنة الاخيرة ، و ما صاحبه من وعي مكتسب جديد حول اللغة و التعبير . كما ان تداخل الاجناس الادبية و الذي برز في الخمسين عام الاخيرة أدى الى توسعة في فهم التعبير و تعظيم غير مسبوق لطاقات اللغة و النص الادبي . و بالقدر الذي اكد عليه اللسانيون من التمييز بين اللغة و الكلام و منه النص ، فانّ التعبير الانساني عموما و الادبي خصوصا بواسطة الانظمة الهجينة في اللغة أدى الى تجلي ظاهرة في منتهى الابتكار و الابداع و هي تعدد مستويات التعبير . و لقد ساعدت الكتابة النثرية للشعر في قيادة  دفت هذه الظاهرة و ترسيخها .
لقد ترسخ و لمآت السنين ان النص مكوّن و مركب من الكلمات و المعاني، لكن و بفعل الوعي العميق بالنص و ادبيته و تعبيريته ، حصل تطور في فهم النص ، و صار النص ليس مجرد نظام مكون من كلمات و صورة خارجية للغة ، بل تعداه ليكون له وجودات و مستويات مختلفة و ان كان النص اللغوي هو المرآة لتلك الوجودات و المستويات .
انّ الحرية الكبيرة التي وفرها الشعر السردي أدت الى ظهور اشكال تعبيرية مصاحبة للنص لا تتكون من وحدات لغوية ، و بعبارة اوضح اصبح لدينا انظمة تعبيرية محمولة في النص غير الانظمة اللغوية ، وهذا هو تعدد مستويات التعبير ، و كل من تلك الانظمة غير اللغوية التي تصاحب النص يمكن ان نسميه ( نظام التعبير الموازي ) . و بتعريف مادي موضوعي فان نظام التعبير الموازي هو ذلك التشكل الادراكي المكون من اية مكونة ادراكية غير اللغة و الذي يكون محمولا في النص اللغوي. فيكون لدينا تعبير لغوي و لدينا تعبير غير لغوي معه و ربما تتعدد انظمة التعبير غير اللغوية .
يمكن لنظام التعبير غير اللغوي المرافق للنص ان يتنوع بتنوع التجربة الانسانية و ما يوافق طاقات اللغة ، لكن من أهم تلك التشكلات التي رصدناها في الشعر السردي هي التشكلات الشعورية العاطفية  (التعبيرية الشعورية التجريدية ) و التشكلات الاسلوبية ( التعبيرية الاسلوبية ).و التشكلات القاموسية ( التعبيرية القاموسية )  و التشكلات الايحائية ( التعبيرية الرمزية )  و التشكلات الفكرية ( التعبيرية الفكرية ) .
ان المؤشر الواقعي والصادق على وجود نظام تعبيري غير لغوي مرافق و محمول في النص هو تحقق الاثارة و الاستفزاز بغير اللغة و الكلام ، فيجد القارئ ان هناك معطى غير اللغة و المعاني يستفزه و يثيره و يدهشه ، و وظيفة النقد هو تحليل و تفسير هذه الظاهرة المهمة جدا و التي ربما لم يشر اليها سابقا .  و ستكون لنا وقفات مطولة مع تلك التنظمة التعبيرية الموازية الا انا سنشير هنا الى بعض ملامحها و نماذجها البينة .

  (التعبيرية الشعورية)
في التعبيرية الشعورية تكون الرسالة مبرزة بمكونات عاطفية و شعورية اضافة الى الكلمات و المعاني ، بمعنى اخر  ان النص او المؤلف يوصل رسالته من خلال مكونات شعورية و عاطفية اضافة الى المكونات اللغوية او من دون الاهتمام بالاخيرة كما في التجريد . و من النماذج الواضحة هو قصيدة ( شتاء ) للدكتور انور غني الموسوي حيث يتشكل نظام تعبيري اخر واضح  متكون من وحدات عاطفية و شعورية غير النص اللغوي .
شتاء
 أنور غني الموسوي
 إنّه فضّي كحلمي ، هذا الشتاء الذي بدأتُ أشعر به بقوّة و كأنّه قصيدة هادئة. ربما لأنني غرقتُ أخيراً في نهر ناعم مصنوع من ألوان ساحرة . و ربما لأنني عثرتُ على حقل رطب في زوايا حلمه المسائي فتيان حفاة مصنوعون من النسيم ، يتقافزون فوق الحشائش كسناجب تتلفتُ بين الاغصان . ليتك رأيتَ الغروب في عيونهم الباسمة، كانت تنشد أغنية شفافة كتلميذة ذهب بها الصباح الى مدرستها القريبة. كنتُ حينها ورقة خضراء بلّلها المطر .
 و هكذا نجد نظام تعبيري مواز بالتشكلات الشعورية في قصيدة الزهور البرية للشاعر عادل قاسم
الزهور البرية
عادل قاسم

حين تغفو الريحُ فوق وجهِ البركة الضاحكةِ ،وتنطلقُ بِرشاقةٍ ،ورهافةٍ موسيقى الاشجارِ الناحلةَ ،يَستفيقُ المساءُ أخيراً، وتلتمعُ في الافقِ البعيد،ِ خلفَ التلالِ النائمة، بقايا الجدائلِ المُشرقةُ للشمسِ وهي تلملمُ برشاقةٍ ثوبها القرمزي الموشى بالبهجة ،وتستكينُ بِدعةٍ في اوكانَها الطيور ُ المحلقةُ، بينما تنث عطرَها الزهورُ البريةُ في هذه المهادِ المُمتدة ،تحت زرقةِ النجومِ ووجهِ القمرِ الذي تفيضُ خدودهُ بالذهبٍ في هذا الفضاء الفسيح.

و في الحقيقة التعبيرية التجريدية الشعورية هي من اهم تطورات الكتابة الادبية و من اكثرها نفوذا الى حقيقة الانجاز و الاضافة على مستوى الوعي باللغة و الوعي بالنص .

( التعبيرية الاسلوبية ).
وهذا هو من أهم ابدعات الشعر السردي حيث توصل الرسالة من خلال اسلوب الكتابة من دون توظيفات بصرية و سمعية معهودة في الشعر .
1- السرد التعبيري ( التعبيرية السردية)
حيث السرد لا بقصد السرد بل بقصد الايحاء و بقصد توصيل رسالة الى القارئ غير الحكاية كما في قصيدة  ( فَيْءٌ للآخرين ) للشاعر   فريد غانم حيث نجد الوصف و الحوار الذي ليس الغاية منه خيال الحكي و القصة بل التعبير و الايحاء و ايصال رسالة شعورية الى القارئ  وهذا السردية التعبي  مضاد للغنائية كما هو واضح فتتحقق الاثارة بذات الاسلوب و ليس بالمعاني و الافكار فحسب .

فَيْءٌ للآخرين
فريد غانم

في كلِّ مرّةٍ أعودُ إلى بيتي، أخلعُ الضّوءَ عنّي، فينزلقُ ظلّي ويدخلُ في خزانة الملابس. أعاتبُهُ. أقولُ أنت ناكرٌ للجميل، تُوزِّعُ الفَيْءَ على كلِّ شيءٍ ما عدايَ. لكنَّهُ، كعادتِه، يردُّ على الكلامِ بالصّمت، ولا يقولُ شيئًا. لا بدَّ أنّهُ أبكمُ.
حينَ أدخلُ في الزّحمةِ، وتنهالُ عليَّ أضواءُ المدينة، يتسلَّقُ ظلّي على المارّةِ فتحمرُّ وجنتايَ. ويدورُ حولي بلا لونٍ. أعاتبُه: لماذا تخلعُ عنكَ ألوانَ ملابسي وشكلَ دمي؟ فلا يقول شيئًا. لا شكَّ في أنّهُ لا يسمعُني وسطَ الضّجيج.
في منتصف الظّهيرة، يختبئُ تحتَ نعليَّ. أمشي فوقَه حتّى شاطئِ البحر. أخلعُ نعليَّ، فينقسمُ ظلّي إلى اثنَين: واحدٌ يلوذُ تحت قدميّ والثّاني تحتَ نعليّ. أُناديه بينَ هديرِ موجَتَيْن: أين اختفيت أيّها الجبانُ؟ لكن، كعادتِهِ، يبتلعُ الإهانةَ ويمتهنُ لُغةَ الأسماك. ذلك لأنَّ وجهَهُ بلا ماء.
أركضُ على الرّملِ، فيظلُّ قابعًا تحتي. أجاملُهُ. أسألُهُ بلطفٍ. أدغدغُهُ. لكنَّهُ لا يردُّ. فهو، لا ريبَ، مقطوعُ السّاقَين واللّسان.
في الصّباحاتِ الباكرة يمتدُّ على طولِ البحر المتوسّط، في ساعاتِ العصرِ يمتدُّ حتى جزرِ اليابان، وفي الأيام الغائمة ينغمسُ في الظلِّ الكبير. أؤنِّبُهُ لاجتيازِ الحدودِ بلا إذنٍ. أشتمُهُ. لكنّهُ لا يجيب، كأنَّهُ ناسكٌ صامتٌ.
هكذا هو ظلّي، يوزِّعُ فيْأَهُ على الآخرين مجّانًا، وينساني بلا قُبّعةٍ. هكذا هو، كلَّما اشتدَّ الظّلامُ، ينفصلُ عنّي ويركضُ وحيدًا، وحيدًا، باحثًا عن نُقطةِ ضَوْء.
2- التعبيرية البوليفونية
في النص البلوليفوني متعدد الاصوات يوصل الشاعر رسالته و يثير المتلقي من خلال سرد متعدد الاصوات و الرؤى يكون فيه المؤلف صوتا واحدا من بين اصوات متصارعة داخل النص  وهو مضاد للغنائية كما هو واضح فتتحقق الاثارة بذات الاسلوب و ليس بالمعاني و الافكار فحسب ،ولقد اشرنا الى هذا الاسلوب في مناسبات سابقة و نجده في قصيدة ( الساعةُ تنامُ في جيبٍ هرمٍ)  للشاعر كريم عبد الله
الساعةُ تنامُ في جيبٍ هرمٍ
كريم عبد الله

عادَ أكثر نضارةً وجهيَ بعدَ أنْ كانَ متجعداً , الساعة في الجيبِ رقّاصها يسمعُ دقاتَ القلبِ المرتبك , الأصابع تتفقّدها كلّما يزدادُ الأشتياق , الأحلأمُ تأتي تتظاهرُ تطفىءُ خيبةَ القصائد تحنو عليها أبجدياتِ اللغة , توهّجها يمنحُ سنين القحطِ بعضَ الدهشةِ تُبحرُ في سنواتٍ لا تعرفُ طريقَ النهر , مروجها الخضراءَ ليتها ترمّمُ ضحكةً خلفَ ابوابِ ثرائها الفاحشَ , وغيماتها الرماديّةِ وحدها تتكاثفُ على التلولِ المطلّةِ تسمعُ همهمة الياسمين : يا للشيب كيفَ ينطفىءُ والتصاوير( الشمسيّةِ ) تتزاحمُ تلوّنُ عتمةَ دفاترِ الطفولةٍ … ؟ !
تتساقطُ الثمار في مواسمِ القطفِ , قطارات المنافي تدهس المزيدَ مِنَ أسرارها , وذاكَ القنديلُ حزينٌ في المحطةِ جرسٌ يسرقُ زيتهُ , أينَ تختبىءُ والسواترُ تبعثرها الحروب تستطلعُ صحوةَ هذا السأم …. ؟ !
مقصلةٌ تشحذُ تويجاتِ الأزهار , يندلعُ الحرمان يعطرُ مساحاتي الشاسعةِ وهي تنأى تركضُ خلفَ حدائقها , فــ يعودُ الصبح ضريراُ يعلّقَ ظلمتهُ على الأبواب ويسحبُ الغياب ذكرياتها مِنْ رزنامةٍ لا تعرفُ التواريخ …….. !


( التعبيرية القاموسبة )
في التعبيرية القاموسية  تصل الرسالة الشعورية و الاثارة الى القارئ من خلال قاموس مفردات النص وهذا قد اشرنا اليه في مناسبات شابقة و نجده  في قصيدة (غراب في مقبرة  ) للشاعرة سما سامي بغدادي ، فانا نجد ان المزاج  و الجو العام للنص قد صيغ بلون مفرداته كما هو ظاهر .

غراب في مقبرة
سما سامي بغدادي
سنوات كرفة جناح يمامة أعتادت الرحيل ,شموسٌ مرّت مثلومةالزوايا تشكو قحطها , ونعيق رياح يتطوى في خواءمرّ , أي شيء يتذكرالغراب الساكن فوق جدار مقبرة؟الموتى بلاذاكرة قرب جذور العمق المهيب , ملح الارض قطع أوصافهم ,يد لها لون تفاحة على وشك السقوط ,وصوت لاصدى له,
أسماء تنتظرالرحيل نحو شراع ونجمة,يشهدون الظل الاخر وراء الريح كصدفة مغَلّقة في غمار بحر يتقاذفهم الموج في تيه الابديه , توارت أنفاسهم اللهاثه وإنزاحت عنهم غمامة البحث عن وجه مفقود ومرآة مكسوة,غاب لهاثهم للأمجاد ، لا يسألون غراباً على غصن يابس، ماذا يتذكر.يظل ساكناً فوق الساعات كروح تمثال بلا عيون ,سواده الكالح يشكو غياب الافق الابيض , حشد ينامى يتجمع في ذاك الطائر, تجاعيد مهترئه , وأحضان مبتورة ,وضحكات مكتومةأمال مأسورة، ومحطات صامتة في سبات الظل الساكن , جراحات اللامرئيين تتوارى في داخله , معلقة تتنظر الرجوع الثاني, أحلام مهزومه , وأماني تنتحب ,أشلاء الطفوله المذبوحه, ونساء أودعت أقمارها أحضان الارض المتخمة بربيع العمر, أشكال غريبة غارقة في التربة، لا تجرؤ على لمس قطرة ماء ,الوادي إسوّد من شراب الدماء العفراء ,ودهاليز الموت الجامحة لاتبالي حين يتوارى السكون وسط الاحزان فلانفرق بينهما , اللهب الأسود الساكن خلف السماءالرمادية ينتحب مع نعيق الغراب, بين الجرح والجرح رمح أسود ، الذاكرة سكنت رياحاً تذروها ترباناً تعبُّ بالحياة المبتوره ,صارع بين الظلال لحياة راقدة في سبات, يتسمّر الغراب فوق جدارمتهالك بالانين , بعينين باهتتين,وهو يشهد الشمس تحمل مجاميع الكويكبات نحو الافق الحاني ,وراح يعد ذاكرة الأجفان المطبقة, كشفق يبزغ فيخفي دمدمة النحيب المتواصل في سديم الفضاء . 
( التعبيرية الرمزية ) 
في الرمزية التعبيرية تتحقق الاثارة من خلال التهيحج و الاستفزاز الرمزي وهذا معروف و كثير في قصيدة الحداثة و نجده في قصيدة وجه المدينة للشاعراسماعيل عزيز فانا نجد الرمزية العالية التي تصنع عالما موازيا يثير و يستفز القارئ و ينقله الى مجال في الوعي   مركب غير الخطابية اللغوية .
وجه المدينة
اسماعيل عزيز

كم مساء مضى؟ هل تحصون معي ؟ منذ أن غابت الشمس يوماً لتتركني غسقاً عالقاً في بقايا شجر!
في يديّ خرائط الصحراء .وفي قلبي نجم بعيد..وهل تسمعون هذا الخواء الذي ينهش الروح.وهذا المزيج الغريب من الوهم والوهم؟ .آهٍ وألف ..نسيت ..رأسي هنا. لكنّ سريري هناك.فأنا ..أنا الطين الذي أنقاد مراراً ويبقى , للزرقة البشرية . قادتني خطى الطريق لأبجدية مائعة…أنني أسقط الآن مُستسلماً على أعتاب كتاب..
قال لي قائلٌ في الكتاب : لا تعطي وجهك للشمس ..وعانق يمين القمر ..
–ربما قمراً قلقاً ، حينها ينتابني اللحن صوب السفر..فتورق بي رغبة للرحيل..
–أحمل معك حجر الذكريات ..أو أدخل نافذة من حلم . لا يبدأ الحُلمُ الأزرق ولا ينتهي !
أنني أرى الآن مُدناً من دخان تحت رأسي ونهراً تأرجح بين بقايا شجر
–أوقد على الطين نار الحجر ولا تخلط بين الحبيبة والبرتقال والزورق الورقي ..
أيها الرجل السائر بين الدخان وبين الضباب ..أيّها العالق بين الرمال وبين خطى الموج
أن المدينة يابسة لا تعد.

( التعبيرية الفلسفية )  

حيث ان الاثارة و الاستفزاز الذي يحصل لدى القارئ لا يقتصر على المعاني و الافكار بل ينتقل الى مستوى اخر هو الشخصية و رؤيتها تجاه العالم و يكون هناك تحد و ردة فعل تجاه ما مطروح من فلسفة و فكر في النص وهذه هي التعبيرية الفكرية التي تتميز بها كاتبات صدام غازي الذي يعبئ نصه دوما باطروحات  فكرية و فلسفية  كما في قصيدة الرقص .

الرقص
صدام غازي

الرقص بالنقر على الأسفلت ، رقصة من لا يكترث . الرقصة من طائر الفلامنكو , سرقته بوهيمية. ورقصة الدبكة يختص بها البردي . أستمع لكِ الى النهاية , فلا تقصي حنجرتي من المنتصف . الأعمى لن تشي به ألسنة البكم . الفكرة أستنتاج , وغيمة ماطرة . التلميح لبلابة في طور النمو . العزف على الناي ,بحاجة الى حبال صوتية جديدة . ثقافة الأكتراث , وسلال المهملات المملوءة . الأختبار بالقرعة , كرالي الصحراء على الأقدام . الهطول نحو حافة ما بحاجة الى كفيكِ السماوية . اللعنة ليست بحاجة الى تميمة مدفونة . نهاية الحافة ، هنالك تسمع  صوت جوقة زغاريد الوداع . بعد الهطول ، منتصف البداية , تشعر بالزغب الساقط من أجنحة ملاك . كل شيء رائع الى حد الآن .


















from Blogger http://ift.tt/2d2bmCp
via IFTTT

شتاء


(عمل تجلياتي )*
إنّه فضّي كحلمي ، هذا الشتاء الذي بدأتُ أشعر
به بقوّة و كأنّه قصيدة هادئة. ربما لأنني غرقتُ  أخيراً في  نهر ناعم  مصنوع من ألوان ساحرة .  و ربما لأنني عثرتُ على حقل رطب في زوايا حلمه
المسائي فتيان حفاة مصنوعون من النسيم ، يتقافزون فوق الحشائش  كسناجب تتلفتُ بين الاغصان . ليتك رأيتَ الغروب
في عيونهم الباسمة،  كانت تنشد أغنية شفافة
كتلميذة ذهب بها الصباح الى مدرستها القريبة. كنتُ حينها ورقة خضراء بلّلها المطر.




هامش
* القصيدة عنوانها الأصلي ( كتابة في
بداية الشتاء ) أو ( احساس ببداية الشتاء ) ، الا اني جعلت النص دالّا عليه بدل
التصريح . و في الحقيقة هذا النصّ محاولة في النص التجلياتي وهو من ( الفن
التجلياتي ) الذي تحدثت عنه قديما (مقالات في فن التجلي في  موقع كتابات انور غني  الموسوي ) ، وهو العمل العابر لأجناس الفنون
فيختلط الرسم بالموسيقى بالكتابة بالسينما ، حيث يتشكل العمل في حقيقة الأمر من
عناصر غير مادية غير اللغة و غير الالوان غير التمثيل  ، بل من وحدات جمالية و شعورية ، و تكون الافكار و المعاني في
الكتابة مثلا وسائط و وسائل لابراز تلك المكونات غير اللغوية المتجلية . و يعتمد
صدق النص على مقدار تجلي تلك العناصر الاحساسية و الجمالية و طغيانها و
استحواذها  على المكان بدلا من المعاني و
الافكار فتكون الافكار و المعاني امورا ثانوية و هامشية لأجل تجلي تلك
المكونات  وهو من فن التجريد كما لا يخفى
.  و لقد كانت لنا محاولات في هذا الصدد
منها قصيدة ( الواحة ) ، الا انني أرى أنّ هذا العمل هو انضجها من حيث تجلّي
العناصر الشعورية و الجمالية و طغيانها و استحواذها على المكان و على القارئ . و
تكمن صعوبة المعرفة بتحقيق العمل التجلياتي لغاياته هو الحاجة الى الحيادية التامة
في القراءة من قبل المؤلف ، أي ان يتجرد المؤلف عن موقع مؤلفيته و يكون في مقع
القارئ الغريب عن النص ، وهذا عمل صعب ، و لربما يكون الاستقراء طريقا آخر لاختبار
هذا العمل و جديته الا انه وسيلة غير متيسرة و غير حيادية في هذا الزمن .

from Blogger http://ift.tt/2d2i6yj
via IFTTT

مفهوم التعبير الادبي ؛ كتابات ميثاق الحلفي نموذجا .




مع ان شارل بالي في اسلوبيته التعبيرية ابعد التعبير الادبي عن دراسته التعبيرية للغة ، بحجة انه انحراف تعمدي عن الاسلوب العام و لعدم امكان تحقيق قواعد منه  الا ان تلامذته ككريسو و ماروزو لم يرتضوا ذلك و وسعوا البحث الاسلوبي ليشمل التعبير الادبي ، بل قالوا ان النص الادبي اكثر مقدرة على الكشف عن البعد التاثيري للغة و تحصيل القوانين (1) . و مع انهم – اي تلاميذه- ابقوا البحث لغويا في المادة ادبية و النتائج تخص التاثيرية و العاطفة في اللغة ، الا انه لو نظرنا الى جوهر الاسلوبية وانها تمييز التفرد كما انه تمييز المشتركات ، فان كلا الفكرتين لا تكون  نافذة الى جوهر الحقيقة ، فلا قول بالي  بعدم امكان تحصيل قواعد عامة بخصوص التعبيرالادبي صحيحة  ، و لا قول تلامذته بان النص الادبي اكثر كشفا للبعد التاثيري للغة ، و الصحيح انه بالامكان تحصيل قواعد و قوانين بخصوص الاسلوبيات في الكتابات الادبية ، الا ان تلك القواعد ليست لغوية و انما ادبية جمالية و لا تلحظ المقارنة مع ما هو عام بل هي مستقلة بذاتها  ، لذلك و لاجل الخروج من هذه الشائكة لا بد من توسعة البحث الاسلوبي ليشمل البعد لجمالي و الادبي للتعابير و الكتابات الادبية ، وهذا الفهم لم نجده قد طُرِق من قبل احد قبلنا، كما انا نراه تجاوزا لواقع الاسلوبية و لمقرراتها باعتبارها دراسة لغوية عامة ، لذلك امكننا ان نصف هذا الاتجاه انه يقع في خانة ( ما بعد الاسلوبية ) .


لقد تناولنا في مناسبة سابقة  مفهوم النص الأدبي و أدبية النص (2) ، و اشرنا الى ان النص حقيقة يمتد ليشمل ما قبل النص و ما بعد النص من وجودات ، و بينا اساليب تلك الوجودات  .  و ان النص كيان كلي تركيبي يتصف بصفات تجعل منه نظاما متميزا منغلقا الى حد ما و ان كان الانغلاق امرا ممتنعا بشكل تام ، و هذا النظام يتكون من وحدات جزيئية له هي الوحدات التعبيرية ، و ليس بالضرورة تعني تلك الوحدات الجمل ، و لا الفقرات بل و لا المعاني ، بل انا قد اشرنا في اكثر من مناسبة (3) ان الوحدات التركيبية للنص لها انواع احدها المعاني ، و ما تمسك الشعر التقليدي بالموسيقى الشكلية الا لاعتبار انها وحدة تكوينية له ، و اما في قصيدة النثر فهناك وحدات تكوينية غير المعاني وان كانت محمولة فيها منها التشكل و البعد الفكري و البعد العاطفي و البعد الجمالي . و من هنا يكون واضحا جدا ان الرمزية و التعبيرية و التجريدية ليست تخليا عن تداولية و تعاونية اللغة  و نفعيتها كما هو شائع بل انها جزء من هذا النظام و ان كانت بصيغة اخرى غير ما هو معهود ، و يكون تعريف التعبير الأدبي هو التعبير عن الجمال بالجمال ، فلا هو كلام جميل يعبر عن فكرة و لا هو فكرة جميلة يعبر عنها بالكلام ، بل الامر اوسع من ذلك ، و ثنانية الشكل و المضمون لا تصمد امام التطور الهائل في النص الأدبي الحديث .و لذلك فالحل الحقيقي لتجاوز هذه العقبة هو الاقرار بتعددية الوحدات الأدبية  للتجاوز فكرة المضمون و الشكل و ليتشمل كل بعد ممكن للانسان بما هو روح و عقل  و جسد  من ادراكه ، بمعنى آخر و كما بينا في مقالنا ( علم الروح و الاسلوبية العامة ) (4) ان التناغم و التناسق و اللاتناغم و اللاتناسق يمكن ان يكون للاجسام المادية و يمكن ان يكون للعقليات الذهنية و يمكن ان يكون للمدركات الروحية من شعور و عاطفة و جمال . و على سبيل المثال   فان الفنية في الكتابة على مستوى المادة تكون في الخصائص اللفظية للالفاظ ، وهذا ما اعتمد عليه الدراسات الصوتية و المرئية للادب ، و العناصر الذهنية للتعبير الادبي تتمثل بالفكرة و اما العناصر الروحية للادب فتمثل بالعاطفة و الجمال . و بالنسبة لقصيدة النثر التي ارادت بلوغ حالة التوفق بين الشعر و النثر و بحثت عن جوهرية شعرية الشعر فانها تخلت كثيرا عن شكليات الشعر كما هو ظاهر ، و اعتمدت على العنصر الروحي و الذهني ، و بالكتابة التجريدية فانها اعتمدت على العنصر الروحي اي العاطفي و الجمالي للادب ( 5) .
لكل جنس ادبي اساليبه الخاص  و خصائصه المتميزة التي لا بد لوحداته التركيبية من الاتصاف به ، و نحن سنتحدث هنا و بشكل مكثف عن اساليب تجربة شعرية تحقق حالة التوافق بين الشعر و النثر و تسعى في الكتابة نحو الحالة الاكمل لقصيدة النثر بالتوافق النثروشعري و السردية التعبيرية التي نراها في كتابات الشاعر ميثاق الحلفي . و سنبحث تلك الخصائص و اساليبها باعتبارها وحدات جمالية مكونة للنص ، و اما الفنية و الرسالية فانها تدخل في بحث ادبية النص و ليس في بحث وحدات التعبير الادبي .
 للتعبير الادبي في قصيدة النثر السردية التعبيرية الافقية مظاهر جلية  تنطوي على مبدأ ( التضاد ) وهو الحقيقة الكبرى لقصيدة النثر.  فالشعرية في قصيدة النثر ( الافقية السردية)   تتجلى في  تضاديات  كبيرة في الانزياح و اللانزياح و في الغنائية و اللاغنائية و الحرية و اللاحرية في الجمع بين اطلاق الاسلوب و نثرية النص . ان المظهر الاوسع للشعرية  يتجاوز حالة الانزياح ليشمل الانزياح و اللانزياح كاداة تعبيرية في قصيدة النثر وهو مظهر من التضادية .  كما التراكيب اللغوية المتشتملة على احد تلك الاساليب بشكل متجل تحقق الصورة الشعرية بمعناها الواسع وان كانت غير مقتصرة على الغنائية لتشمل الشعرية الغنائية و اللاغنائية وهذا ايضا مظهر من مظاهر التضادية في قصيدة النثر ، كما ان من مظاهر التضادية في قصيدة النثر هو جمعها بين الحرية المطلقة في الاساليب مع قيد النثرية وهذا من اهم اسرار قصيدة النثر .   فكل اسلوب من الاساليب في قصيدة النثر النموذجية ( السردية الافقية)    يشتمل على التضادية ابتداء من نثرية الشعر ( النثروشعرية)  و شعرية السرد ( السردية الشعرية )  الى توصيلية الرمز  ( الرمزية ) و ايحائية الوصف ( الايحائية ) الى تأثيرية الكلام شعوريا و احساسا ( التأثيرية الشعوري ) ، الى الادراك العميق باللغة ( التجريدية ) 
السردية  الشعرية
في القصيدة السردية و الشعر السردي بالمفهوم الذي قدمته مجموعة تجديد تنظيرا و تطبيقا يتحقق السرد اللاقصصي ، السرد الشعري بالمعنى الحقيقي ، و ليس القصة المنظومة او المطعمة بلغة شعرية ، بل في القصيدة السردية تجد نثرا و سردا ينبثق منه الشعر ،  وهذا هو نظام التضاد . لا تجد قصة و لا حكاية رغم السرد ، انه السرد لا بقصد السرد ، وهذه الكتابة من اصعب انواع الكتابة و تحتاج الى تجربة و عمق حقيقيين . في سرديته الرائعة ( عن الحرب احدثكم) (6)  التي يحقق فيها ميثاق الحلفي النموذج   لقصيدة النثر من حيث سردية الشعر و عذوبته و وضوح الرسالة  حيث يقول :
(في الحربِ لا تُفتِشَ عن نهاراتِ الحظِ ،  يكفي إناء من البلاستيك لتشاركَ الفئرانَ العشاء. ولا أنْ تطفوَ على وجه النهرِ عاشقاً.لا تُفكِرَ مَنْ يَقلِبُ الطاولةَ آخرَ المساء .  أنْ تَقبِضَ على متاريسِ الأرواحِ في موضعك. لا تحتاجُ إلاّ لجنونٍ يُدخلكَ موسوعةَ الهذيان. 
عن الحربِ أُحدِثكم.  تلكَ التي أكلتْ أثداءِ النساءِ.وحملَتْ صلبانِ اللعنِ الى مُتحفٍ عائمٍ على العويلِ .عن الزكامِ الذي اصابَ سواترِ الرئة ِ وأنتَ تكتبُ في الظلام وصاياك على عِلبِ التبغِ الفارغة وتحلمُ في الظلام وتموتُ في الظلام .)
لا نحتاج الى كلام لبيان السردية الواضحة في النص ، كما اننا لا نحتاج الى كلام لبيان الشعرية الواضحة فيه ، هنا في هذا النص يحقق ميثاق الحلفي  السردية التعبيرية ، السردية لا بقصد الحكاية و القص ، بل بقصد الرمز و الايحاء و اثارة الاحساس و الشعور . انها حكاية التفتيش عن الجواب و عن المصير ، انها الانكفاءة الكاملة و االلون الرمادي لهذه الحياة و العشاءات المرة ، انها خسارة الحلم  فلا عشق و لا اكتراث بالنفس و لا بالمصير ، انها قصة الضياع و التيه و حياة الجنون و الهذيان .


النثروشعرية
قصيدة النثر السردية الافقية هي الحالة النموذجية لتحقق التكامل بين الشعر و النثر ، ففيها تجد الشعر الكامل في النثر الكامل وهذا هو نظام التضاد هنا  . حيث من قلب النثر ينبثق الشعر. يقول الشاعر  في قصيدة  ( رسالةٌ،عُثِرَ عليها )(7) :
  (  تعالَ معي لأُريكَ ذلكَ الفلاحُ المتسخُ وهو يلوكُ عقالَه كلُبّانٍ مُتحجرٍ.أُريكَ نْباحَ البواخرِ وكيفَ تُزمجرُ الريحُ مثل راقصة على السريرِ يهزها الطبلُ وتترسبُ ايامها في وديانِ الفوضى. كيفَ يحفرُ القهرُ باسنانه دكات الموتى. وينامُ أطفالي وهم يحلمونَ بك. تعالَ معي نقرأ قاعَ الفنجانِ لنطالعَ حظّنا معاً.علّنا نلمحُ شجراً او نورساً يحملُ حقائبنا. لنجربَ طعمَ الحلوى دونَ أنْ يُطاردنا الذُّباب. تعالَ نُجاري حفاري القبور أيُّنا الاسرعُ في تلقّفِ الجماجمِ.هل جربتَ أنْ تُحاصرَ الاطلاقة اوردة البوابات وأنتَ محاصرٌ تنزع خيوطَ الأوتارِ عن لحنٍ شريدٍ.أنْ لا ترى مَنْ لا يُبصِق في طعامكَ وتُرشي العصافيرَ بالكثير من الزقزقة. وأنْ لا يتورع الحُلُم من دخوله أقبية الرأسِ بالرماد. تعال أُريكَ كيفَ أصبح النهرُ كسولاً عن معانقتي.. وأنتَ… تسبحُ في قبركَ دونَ أنتماء ) 
 في هذه القصيدة المتكونة من تسعة اسطر ، نجد البناء الجملي المتوصل ، فالنص كله يتكون من اربع وحدات نصية ، كل منها يتكون من ثلاث جمل متصل ، وهذا طغيان واضح للنثرية ، كما ان التراكيب درامية حكائية سردية بعيدة عن التصوير و الغنائية جدا ، وهذا ظاهر ، الا انه وسط هذا الجو النثري ينبثق الشعر ، و تتحقق الشعرية الفذة و تنبثق الصورة الشعرية بابهى صورها (ذلكَ الفلاحُ المتسخُ وهو يلوكُ عقالَه كلُبّانٍ مُتحجر )  (نْباحَ البواخرِ وكيفَ تُزمجرُ الريحُ مثل راقصة على السريرِ ) (علّنا نلمحُ شجراً او نورساً يحملُ حقائبنا )  . كما ان الشاعر استخدم التموج اللغوي لينتقل بين الرمزية و التوصيلية مما اعطى نصه عذوبة كما سنبين في الفصل التالي .




الرمزية العذبة 
البوح الاقصى و التوصيل الجلي من خلال الرمزية العالية اعطى للرمزية عذوية في القصيدة السردية و عذوبة الرمز هي من نظام التضاد وهو انجاز لا ينكر لكتابة قصيدة النثر السردية الافقية . تميز السردية الافقية بالرمزية العذبة ، رمزية قريبة ، رمزية تتوهج وسط جو من التوصيلية في تموج لغوي و كلامي عذب فبعد توصيلية (تعالَ معي لأُريكَ ذلكَ الفلاحُ المتسخُ  )  تأتي رمزية ( وهو يلوكُ عقالَه كلُبّانٍ مُتحجرٍ.) ثم رمزية عالية جدا ( أُريكَ  نْباحَ البواخرِ ) وهذه تبلغ المجانية و التجريد ثم رمزية قريبة ( وكيفَ تُزمجرُ الريحُ ) مثل راقصة على السريرِ) ثم منطقية واقعية (  يهزها الطبلُ وتترسبُ ايامها في وديانِ الفوضى) .


الايحائية 
من خلال النثرية التي يراد بها الشعر و من خلال السرد الذي لا يراد به القص فان الموجهات الدلالية التي تدخل عمدا على المركبات اللغوية لا تقدم فائدة تشخيصية افهامية و انما تقدم دلالة ايحائية شعرية ، و هذه القيدية اللاتداولية الايحائية هي من نظام التضاد  و من الشعرية الواضحة في النثر الايحائي .
نجد هذه الموجهات الايحائية كثيرة في شعر ميثاق الحلفي منها مثلا قصيدة (سونار)
( هَلْ جرَّبتَ الرقصَ مثلي بلا ساقينِ ) فان قصيد ( بلا ساقين ) نقلت النص من خانة القص و الافهام الى خانة الايحاء و الشعرية  و هكذا في قيد المقبرة في عبارة ( وأعَرتَ حذاءَكَ لحارسِ المقبرة،  ) و ايضا الايحائية ظاهرة في قيد ( العجين ) في عبارة ( وأنْ يَئنَ في كوخكِ العجينُ )   و في عبارة ( وتبكي بحرارةٍ إذا ما غَرَّدَ على شُرفتِكَ عصفور ) هذه الموجهات الدلالية من الاساليب الشعرية المهمة التي بامكانها نقل العبارة من جهة تجنيسية الى اخرى و من مستوى دلالي الى اخر ، و من الواضح ان تلك القيود و الموجات لم تكن لبيان و توضيح و تفصيل و انما لتحقيق الايحائية و الرمزية .




التأثيرية الشعورية
الارتكاز في توصيل الرسالة على الثقل الشعوري و الاحساسي للكلمات و الجمل هو من نتاج التجربة الشعرية ، و تحقيق ذلك بتراكيب نثرية يدل على سعة و عمق تلك التجربة و في القصيدة السردية الافقية يتحقق كل ذلك .


في المقطوعة السابقة من قصيدة ( عن الحرب احدثكم ) ، الشاعر يقول ( عن الحرب احدثكم ) لكنه في الحقيقة لم يرد ان يحكي لنا قصتها و لا حكايتها ، و انما اراد ان يحكي لنا نظاما متشابكا و متشكلا من الاحاسيس و المشاعر ، لقد نجح الشاعر في تعبئة كل عبارة من عباراته بطاقة تعبيرية شعورية و زخم شعوري هائل ، حتى انك ما عدت تسمع الحكاية بقدر ما انك صرت ترى تلك الاحاسيس .


التجريدية 
الشعور العميق بالمعاني و الادراك بالبعد الجمالي لها و توجيهه الى القارئ و توصيل الرسالة  عن طريقه هو من الاعمال الاستثنائية ، وهو من النهج التجريدي في اللغة غير المعتمد على معانيها و افكارها و انما على ثقلها الشعوري و بعدها الجمالي ، وهذا و ان لم يكن من الصفات الخاصة بالقصيدة السردية الا ان تحقيقه فيها يحتاج الى مهارة لا تخفى .
لقد اعتمد الشاعر على الزخم الشعوري و التناسب العاطفي في بعض العبارات بدل المنطقية ، حتى ان الرمزية فيها تبلغ التجريد منها مثلا ما في قصيدته (( رسالةٌ،عُثِرَ عليها )
فكما اشرنا ان الرمزية تبلغ المجانية المعنوية في عبارة (  أُريكَ نْباحَ البواخرِ وكيفَ تُزمجرُ الريحُ مثل راقصة على السريرِ )   فن الشاعر اعتمد في رسالته هنا على البعد الشعوري و الثقل الاحساسي لتركيب ( نباح البواخر )   و هكذا يرتكز النص على البعد العاطفي و الشعوري في عبارة  (هل جربتَ أنْ تُحاصرَ الاطلاقة اوردة البوابات وأنتَ محاصرٌ تنزع خيوطَ الأوتارِ عن لحنٍ شريدٍ.)  فان الرمزية هنا مجانية كما هو ظاهر  لكنها تحقق خطابيتها عن طريق البعد العاطفي  . و هكذا في عبارة  ( أنْ لا ترى مَنْ لا يُبصِق في طعامكَ وتُرشي العصافيرَ بالكثير من الزقزقة. ) ففي عبارة (تُرشي العصافيرَ بالكثير من الزقزقة ) تحمل ثقلا شعوريا و زخما احساسيا يتناسب مع الخطاب و الجو العام للنص .




1-  http://ift.tt/2cwNdST
2- http://ift.tt/2cuPHUP
3- http://ift.tt/2cwNzce?
4- http://ift.tt/2cuOI7n
5- http://ift.tt/2cwNxRA?
6- http://ift.tt/2cuQkht
7- http://ift.tt/2cwMJw5







from Blogger http://ift.tt/2cuPAso
via IFTTT

مفهوم قصيدة النثر ، كتابات صدام غازي نموذجا




يقول بودلير ( من
منا في لحظته الطموحة لا يحلم بمعجزة الشعر النثري ، من دون وزن و لا قافية ، سلسل
بشكل كاف و صارم بشكل كاف لأن يعبر عن غنائية النفس ، و عن تموج الروح ، و عن وخز
الوعي ) (1) . و تقول باربرا هننغ (
Babara Hening )  ( ان قصيدة النثر هي جنس أدبي متاخم — حيث
تكون الطبيعة شعرية لكنه يطرح بشكل افكار و كلام عادي جدا ) (2)  . و تقول دانييل متشل (  قصيدة النثر تكتب بالجمل انها تظهر ككتلة واحدة
من دون تشطير   )(3) . و تقول مليسا
دونوفان (
Melissa Donovan  ) ( النثر ما يكتب باللغة العادية بالجمل و
الفقرات  ، و الشعر بطبيعته يعتمد على
الخصائص الجمالية للغة ، و قصيدة النثر هي  
شعر يكتب بالجمل و الفقرات من دون نظم او تشطير . لكنه يحتفظ بخصائص شعرية
اخرى كالتقنيات الشعرية و الصور و التكثيف ) (4) 
.و يقول زيمرمان 
(Zimmrman)(
في قصيدة النثر  تكون الكتابة متواصلة من
دوت تشطير ) (5)و في التعريف المعتمد في الويكبيديا ( ان قصيدة النثر شعر يكتب
بصيغة النثر بدل النظم لكنه يحافظ على الخصائص الشعرية من التصوير العالي و ترادف
و التأثير العاطفي .) (6)
ان قصيدة النثر فتحت افاقا جديدة للكتابة
الادبية غير مسبوقة و لذلك قد احاطها الشك يقول جالرز سيميك
( Charles
Simic )
وهو من رواد قصيدة النثر الامريكية (  قصيدة النثر لها مميز غير عادي بانها ينظر
اليها بعين الشك و الريب ليس فقط من قبل الكارهين التقليديين للشعر بل من قبل
الشعراء انفسهم ) (7) .
و تقول نيكول ماركوتك  (Nicole Markotic)
  في مقالها المهم ( قصيدة النثر و السرد الجديد ) ( قصيدة النثر هي
ستراتيجية شعرية مغروسة في بنية سردية   انها دعوة للمساواة ، حيث النحو النثري و التشظي
الشعري ، قصيدة النثر تتحدى التشطير و ترفض الاكتفاء بالصورة المعهودة للشعر او
للنثر – الى ان تقول –  واهم ما يشدني الى
هذا الشكل هو الجملة ؛ ما الذي يجعل الجملة سطرا شعريا بدلا ان تكون جزء من مقالة
او قصة ) .(8)
  مع كل هذا الفهم الواقعي لقصيدة النثر ظهر
اتجاه نقدي معاصر، و صار محورا للنظرية النقدية المعاصرة على يد الرائد فيه
البروفسور بيتر هون (
Peter Huhn  ) الذي نظر و طبق اليات التحليل السردي في
الشعر، و ناقش ان التحليل السردي و علم السرديات يتميز بالشمولية  بحيث يمكن من خلاله تناول جميع اشكال الأدب بما
فيها الشعر الغنائي ، و كتابه ( التحليل السردي في الشعر الغنائي ) الصادر عام
2005 كان فتحا كبيرا في هذا الاتجاه (9) ، و صارت الان مدرسة كبيرة تعمل على تتبع
التقنيات السردية في الشعر الغنائية و متخصصة في هذا الشأن ، معتمدة على منهج (
السرديات العابرة للاجناس )(
 (transgeneric
narratlology
 . (10) و اهم تلك
التقنيات  السردية التي برهنوا على وجودها
في الشعر الغنائي هي التتابع و التوالي (
sequentialty
) و التوسّط والابراز (
mediation ) و التواصل
و الافصاح  (
articulation  ) 
(11)  .
من هنا تظهر ملامح
قد ترسخت عبر تأريخ طويل لقصيدة النثر ، استطاع من خلالها ان يخرج الباحثون و
الدارسون بتحديدات عامة تجنيسية لهذا الشكل الادبي و اخرجت قصيدة النثر من
اللاتجنيس الى التجنيس ولكن بوجودها الواسع الحرّ و الثرّ و المتميز . من تلك
الملامح التي اشير اليها  كما بينا الامور
التالية :
(1) ان قصيدة النثر 
تكتب بالجمل و الفقرات .
(2) انها سلسة .
(3) انها كتابة متواصلة من دون تشطير  .
(4) انها تحافظ على الخصائص الشعرية من   الزخم العاطفي و الصورة الشعرية.
(5)  انها شعر يكتب ببنية سردية
.
لو لاحظنا الملامح
المتقدمة فانا سنجدها صفات النثر و الشعر ، فقصيدة النثر هي الوجود الخارجي الذي
يجمع الشعر و النثر اي هي حالة التوافق بين الشعر و النثر . سنحاول هنا تتبع تلك
الملامح في كتابات الشاعر العراقي صدام غازي . الذي هو احد كتاب قصيدة النثر   السردية الفقية ، بكتابتها بالجمل و الفقرات و
بسلاسة و من دون تشطير او تشظي ، بسرد تعبيري رمزي ايحائي محافظ  على التكثيف و الصورة الشعرية و الانزياح ، و
بهذه المواصفات التي سنبحثها تطبيقيا و تفصيليا كانت كتابات صدام غازي نموذجا
لقصيدة النثر حسب التعريفات السابقة .
1-    النثرية ( الكتابة بالجمل و الفقرات )
نثرية صدام غازي
معلومة لكل متابع، و الجمل و الفقرات حاضرة فيها دوما، فجميع نصوصه السردية نماذج
لتلك النثرية. و كنموذج لدينا ثلاثة نصوص تتميز بالعذوبة و النثرية الواضحة (
صفصافة ) و ( قطار ) و ( الزمن الصفر).
(صفصافة )
صدام غازي
ليس هذا هو
الشارع . تهت في العنوان بحثا عن الصفصافة . عشتار أصبحت نبية ، لكنها نسيت أن
تمسح بصماتها عن جدران معبد ننماخ . تذكر ، بفعل الأمر أن الصفصاف لن يتسعه
الأسفلت ، فإن رأيت صفصافة تمشي على الأسفلت ، فأنها من البلاستيك المدور . لن
تعرف الفرق من لون الأسفلت ، ولا من لون الماء ، ولن يستحضر الجنّ كي يخبرك ما نوع
هذه الصفصافة .  الرياح كالأنهار في تدفقها
. تهرب دوما من حرارة الصيف لتختبئ بين الصفصاف. لن تعرف الفرق ، الأ أن يخبرك
البئر. هذا أن لم تنس فعل الأمر .
( القطار )
صدام غازي
بمساحة آجرتين ،
لا يمكن لمقصّ الحلاق أن يقصّ لك فرحة بحجم ماموث 
يبحث عن أنيابه العاجية ليحارب مخالب القطّ . خلف الكواليس بالجنب من محرك
الخيوط  بآجرتين ونصف ، تسمع زغاريد
القطار. يشتري الراكب رئة من البائع المتجول.  رئة لأستعمال واحد . هذا ما كتب عليها ، واشترى
مظلة من أجل المطر الحامضي الذي يسكبه القطار. غم أن الثلج لم ينزل . أبتاع جزرة
لأنف الأمنيات ، كسكارة جدي قبل أن يخترع الفلتر. رمى بآخر أمنياته على آجرة متغير
لونها وسط رصيف المحطة ، علما أن جدي لم يعرف أنه رمى بصمته الوراثية حين لصق
السكارة .
( الزمن صفر )
صدام غازي
عند أول الشفق ،  حين جلست الشمس خلف تلك التلة  تمشط شعرها ، لم نكن عندها وليدي الصدفة , لكنا
ألتقينا في الزمن صفر . ليس كل شيء واضح المعالم , ولا كل الافق معتم كأعمى يلبس
نظارة سوداء . لم نلتق على ذلك القمر النحاسي كما قلنا , ولم ننكث بوعدنا حين
رحلنا حاملين صرة خيبة الأمل , مع القليل من قوت ذكرياتنا . ففي الزمن صفر تتغير
الاحداث , فزمن القصيدة تخط على صفحة الريح . زمن عناق الارواح للأرواح في زمن هجر
أهل التناسخ أرواحهم . زمن خيانتي مع قصيدة تحمل ملامحك . زمن التمني بليلة أغفاءة
من أجل عين الحلم .
الزمن الصفري فيه
المدى يده تسكن الصدى . التوقيت بعدد ذرات الرمل . الشمس تجلس خلف تلك التلة .
السكون يركب ظهر الخفافيش ويقتل الحركة . في الزمن الصفر لا تعدّي الايام . هكذا
ولدنا لا نعد ولا نحصي , في بداية أول الغسق عند بداية التوقيت صفر .
و لا نحتاج الى
كلام لبيان البناء الجملي و الفقراتي لتلك النصوص ، فانها تتحدث عن نفسها .
2-    السلاسة
تتميز كتابات صدام
غازي بالسلاسة ، البعيد عن التعقيد النحوي ، و هذا من خصائص قصيدة النثر التي تلزم
بمنطقية اللغة و نحوية الجملة ، و يمكن للمتابع لكتابات الشاعر ان يدرك هذه
السلاسة و التداولية و التعاونية التي تتميز بها . و واضحة السلاسة في النصوص
الثلاثة  السابقة ( صفصافة ) و ( القطار )
و ( الزمن الصفر)
3-    البناء المتواصل ( عدم التشطير )
النثرية في كتابات
صدام غازي السردية الافقية  تحقق تكاملها ،
بجمل و فقرات و سلاسة و بناء جملي متواصل ، من دون سكتات و لا فراغات و لا تشطير و
لا توظيفات بصرية . و كتابة  صدام غازي
عبارة عن مقطوعة نثرية و في الغالب كتلة واحد ، و كتابة الكتلة الواحدة (
one block
) احدى غايات قصيدة النثر الكبرى . بالبناء الجملي المتواصل بجمل تامة و واضحة
تتجلى احدى اهم خصائص النثر و تكالمه عند صدام غازي ، فمثلا في قصيدة ( القطار)
المتقدمة يقول الشاعر :
( 1- بمساحة آجرتين ، لا يمكن لمقصّ الحلاق أن يقصّ لك فرحة بحجم ماموث  يبحث عن أنيابه العاجية ليحارب مخالب القطّ . 2-
خلف الكواليس بالجنب من محرك الخيوط  بآجرتين ونصف ، تسمع زغاريد القطار.3-  يشتري الراكب رئة من البائع المتجول.  رئة لأستعمال واحد .
)
لدينا هنا ثلاث جمل ببناء متواصل و بمنطقية
نحوية تامة من دون اية توظيفات بصرية . كل جملة تتجاوز السطر وهذا من صفات التكامل
النثري كما هو معلوم .
4-    الصورة الشعرية الزخم العاطفي
هنا تكمن مقدرة
كاتب قصيدة النثر و هنا تبرز امكانياته الشعرية ، و تصور ان قصيدة النثر فن سهل
تصور ساذج لا يمت الى الواقع بصلة ، و كلما كانت القصيدة اكثر نثرية كان تحقيق
الشعرية فيها اكثر صعوبة . و مع هذا التجلي القوي للنثر في كتابات صدام غازي ،
يكون خلق الشعر من ذلك الوسط النثري كاشف عن مقدرة لدى الشاعر .  في النصوص الثلاثة ليس فقط تحقق لصور شعرية ذات
زخم شعوري عال هنا و هناك ، بل متواليات من الصور الشعرية ، و عمق فكري و رؤيوية
جلية ، و شعرية عميق تنبثق من اعماق النفس ، و الهم الشعري و طلب الخلاص واضح ،
فليست النصوص مجرد تراكيب انزياحية و رمزيات متجاورة بل هناك تجل واضح لقضية الشعر
و رسالة الشعر و العوامل الجمالية العميقة و الالتقاطات الشعرية و المعادلات
التعبيرية الفذة .
ففي ( صفصافة )
نجد متواليات في الصور الشعرية و الصيغ التعبيرية المعبأة بالطاقات الشعورية و
الزخم الاحساسي ( 1- ليس هذا هو الشارع . تهت في العنوان بحثا عن الصفصافة . 2- عشتار
أصبحت نبية ، لكنها نسيت أن تمسح بصماتها عن جدران معبد ننماخ . 3- تذكر ، بفعل
الأمر أن الصفصاف لن يتسعه الأسفلت ،4-  فإن رأيت صفصافة تمشي على الأسفلت ، فأنها من
البلاستيك المدور .5-  لن تعرف الفرق من
لون الأسفلت ، ولا من لون الماء ، 6- ولن يستحضر الجنّ كي يخبرك ما نوع هذه
الصفصافة .  7- الرياح كالأنهار في تدفقها ،
تهرب دوما من حرارة الصيف لتختبئ بين الصفصاف .8-  لن تعرف الفرق ، الأ أن يخبرك البئر. هذا أن لم
تنس فعل الأمر .)
لدينا هنا ثمان
جمل نثرية حقق الشاعر فيها ثمان صور شعرية ، من دون ان يحتاج الى نفَس تمهيدي او
تهيئة للصورة التالية ، و جاءت الصور في انسيابية كبيرة و تلاحم .
و هكذا نجد الصور
الشعرية و التعبيرية و الزخم الشعوري حاضرا في النصين الاخرين ، و الامر هو كذلك
في باقي نصوص صدام غازي السردية الافقية .
5-    البنية السردية
انّ السردية في
قصيدة النثر ليست شرطا  فحسب بل هي اداة
لاجل اعطاء الحرية للشاعر ، و من خلال السرد التعبيري يتمكن الشاعر من التنقل
بحرية غير معهودة في جميع جوانب اللغة الجمالية و التوصيلية ، و يستطيع من خلال
السرد الشعري ان يستنطق اللغة و ان يستخرج عمقها الشعري و المعاني الجمالية
العميقة و ان يطرحها للقارئ بصورة هادئة و عذبة 
من دون ارباك او تشظي او تعال .
انّ السردية في
الشعر لا تكون بقصد الحكاية و القص و لذلك لا تجد تطورا حدثيا قصصيا في قصيدة
النثر بخلاف القصة كما انك لا تجد حبكة و قضية قصصية و انما ما تجده تقنيات سردية
لاجل نقل الاحساس الى القارئ و طرح المعنى الجمالي و الفكرة الشعرية بتلك الصيغة
لاجل تحقيق التكامل النثروشعري . فالسردية في قصيدة النثر وسيلة لتحقيق التكامل
بين الشعر و النثر . و لقد رأيتَ بوضوح كيف ان قصيدة ( صفصافة ) السردية قد تضمنت
ثمان جمل اشتملت على ثمان صور شعرية . و هكذا نجد السردية و التوافق النثروشعري
حاضرا في قصيدة القطار بتناسب ملحوظ بين الوحدات النثرية و الوحدات الشعرية ، و
ايضا الامر كذلك في قصيدة ( الزمن الصفر ) التي يتجلى فيها السرد الى ابعد حد ،
حيث يقول الشاعر فيها :
( عند أول الشفق ،  حين جلست الشمس
خلف تلك التلة  تمشط شعرها ، لم نكن عندها
وليدي الصدفة , لكنا ألتقينا في الزمن صفر . ليس كل شيء واضح المعالم , ولا كل
الافق معتم كأعمى يلبس نظارة سوداء . لم نلتق على ذلك القمر النحاسي كما قلنا ,
ولم ننكث بوعدنا حين رحلنا حاملين صرة خيبة الأمل , مع القليل من قوت ذكرياتنا .
ففي الزمن صفر تتغير الاحداث , فزمن القصيدة تخط على صفحة الريح . زمن عناق
الارواح للأرواح في زمن هجر أهل التناسخ أرواحهم . زمن خيانتي مع قصيدة تحمل
ملامحك . زمن التمني بليلة أغفاءة من أجل عين الحلم . الزمن الصفري فيه المدى يده
تسكن الصدى . التوقيت بعدد ذرات الرمل . الشمس تجلس خلف تلك التلة . السكون يركب
ظهر الخفافيش ويقتل الحركة . في الزمن الصفر لا تعدّي الايام . هكذا ولدنا لا نعد
ولا نحصي , في بداية أول الغسق عند بداية التوقيت صفر .)
ان السردية طاغية
الا انه في الوقت ذاته لاتجد حكاية و لا حبكة و انما افكار عميق موحية و مرمزة و
ترمي الى ابعاد عميق في النفس ، و التطور النصي مبني على تطور تتابعي للمكونات
الشعرية المجازية و الرمزية و الايحائية .
(1)          http://ift.tt/2cuOZHn
(10)            http://ift.tt/2cwO6L3 http://ift.tt/2cuQllx
(11)            http://ift.tt/2cuPf98

from Blogger http://ift.tt/2d0Fj7v
via IFTTT

علم الروح و الاسلوبية العامة .






للاشياء في ادراكاتنا مستويان المستوى التكويني الخارجي و المستوى الذهني .
من المستوى الخارجي التكويني الوجود الجسماني   و من
المستوى الذهني الوجود  الاعتباري (
المعنوي اللغوي) للاشياء ، وهناك وجود اخر تكويني خارجي  هو الوجود الروحي  ( الشعوري)  . 
ان لاشياء اسلوب في ترتبها و التكوينية لا تعارض تلك الاسلوبية  بل الكيانا الواعية يمكنها امتلاك الاختيار في
التكوينيات . الاشياء حولنا تترتب في الخارج  باجسامها 
وهذا هو الترتيب الخارجي  الجسماني و
تترتب في ذهننا   بمعانيها وهذا هو الترتيب اللغوي الاعتباري  ، وهناك ترتيب اخر لها هو الترتيب الروحي
العاطفي و حسب انفعالنا بها وهذا هو الترتيب الروحي  الجمالي .
من جهة المعرفة باسلوب انتظام و لا انتظام الاشياء فان العلاقات المنطقية
بين الاشياء في جميع مستوياتها هي ايقاع و تناسق 
، و اما العلاقة الانزياحية اللامنطقية  فلها تسميات . فاذا حصلت العلاقة الانزياحية
اللامنطقية  في التكوينيات  فانه يسمى معجزة ان كان حقيقيا  او سحرا ان كان وهما ، وعلى مستوى الذهن ان كان
على مستوى الكلام و الكتابة سمي مجازا و ان كان على مستوى التصور و التفكير سمي
خيالا ان كان متعمدا و الا فهو ضلال .
 و بخصوص اسلوب انتظام  و سلوك الكيانات و المدركات الروحية و
الجمالية  ف هناك حقيقتان بخصوص اسلوب
انتظام المدركات الروحية و منها الجمالية الاولى انا قد اشرنا  ان الكيانات الروحية  و الانفعال بها خارجي  تكويني كما هو الجسماني  الا انه ليس زمكانيا و لا جسمانيا فهو تكويني
واقعي خارجي لا جسماني  ، و لذلك فالانزياح
فيها ليس اعتباريا كما في اللغة بل تكوينيا بمعنى انه يسلك سلوك  الجسمانية ، و كما ان هناك معجزة جسمانية فهناك
معجزة روحية  بان يتحول الشعور بالمؤلم الى
لذة من دون تغير المؤثر ،  و كما ان هناك
وهما جسمانيا  فهناك وهما روحيا هو الشعور
بلذة في المؤلم وهمية هو السحر في الشعور . و الحقيقة الثانية محدودية كيانات
الانفعال بالجمال كما و نوعا  فان الادراك
الروحي بالاشياء الروحانية و منها الجمالية  محدود من جهة الكيف بمحدودية الكيانات العاطفية
و الشعوري  رغم لامحدودية الكيانات الروحانية
و الجمالية المؤثرة في الروح .  كما ان
الادراك الروحي   محدود من حيث الكم ، فان هناك مستويات من  المدركات الروحانيات  عالية يعجز الانسان عادة ان يدركها و  تحتاج الى استعدادات عالية لادراكها ، فعالمنا
هذا مليء بالمعطيات الروحانية  التي نعجز
عن ادراكها الا بعد ان نمتلك استعدادا لذلك . 
اضافة الى   ان الاستجابة الروحية و ان كانت تصنف الى
تصنيفات شعورية و عاطفية واسعة و محدودة الا ان لها درجات كمية و كيفية يمكن من
تمييزها الا انه ليس شيئا  متيسرا لكل احد
، فهذا التمييز الدقيق  مفقود عند اغلب
الناس ، بل ما يحصل من تمييزات  انما هو
عند وجود الفارق  الشعوري و المؤثر اروحي
الكبير ، و هذا بخلاف التمييز الجسماني او التمييز المعنوي اللغوي الذي تتميز الاشياء
في ذلك  عند اغلب الناس بابسط زيادة او نقص
.
بمعنى اخرى ان تربيتنا الروحية بدائية   بخلاف
تربيتنا الجسمانية و اللغوية  فانها متطورة
 ، و لذلك نجد الادراك بالخارج حتى بخصوص الروحانيات
من غيبيات و جماليات يعتمد على الادارك الجسماني و اللغوي  اكثر منه من الادراك الروحي ، ليس لان الاشياء
لا تتمايز روحيا بل لان خبرتنا الروحية ضعيفة  . لذلك لا بد ان يكون هناك بحث واضح و جدي في
علم الروح  و الجمال يبحث الكم و الكيف
الروحي و الجمالي و بدقة عالية و تربية الناس عليها من خلال التجربة لكي تتطور
الخبرة الروحية و العاطفية و الجمالية ، و نخرج من خانة الانطباعية الى خانة
المعرفة الروحية ، و كما يكون لدينا علم بمادية الاشياء و تأثيرها علينا
كاجسام  و كما ان لدينا علما باللغة و
المعاني و المدركات الاعتبارية الذهنية  يكون لدينا علم بالكيانات الروحية و الجمالية .  و لا بد ان يكون لدينا معرفة واضحة و دقيقة و
تفصيلية بالروحانيات و العاطفيات و الجماليات كما هي خبرتنا و معرفتنا بالاجسام و
الخارجيات  و الذهنيات الاعتبارية . وهناك
اشارات بل حقائق تشير الى ان التكامل الروحي و الجمالي  للانسان سيحصل في الاخرة حيث اللذة الكبرى لاهل
الجنة و الالم الاكبر لاهل النار ، و انه يمكن ان تحصل تجارب متفاوتة بهذا المستوى
في الدنيا ، وهذا يمكن تفسيره بتكامل الخبرة الروحية لدى اهل الاخرى .
ان هذا الكلام يعني و بالضبط التوسع في الاسلوبية ليس فقط للتجاوز
اللغة  فتشمل الخارجيات و اسلوب انتظامها و
انزياحيها و كيفية تحقيق عملية الاختيار فيها ، فانه يتجاوز ذلك الى الاسلوبيات
الروحية بادراك نظام انتظامها و منطقياتها و نظم الاختيار فيها و نظم الانزياح
فيها . و اذا ما تحقق العلم العام بتلك الاسلوبيات فانه سيكون ممكنا التوصل الى
الطرق التي يكون للانسان سلطان على التكوينيات الروحية كما هو الان لديه سلطان على
التكوينات الجسمانية بالعلم المادي و لديه سلطان على الاعتباريات الذهنية بالعلوم
العقلية و . و ان العلم الروحي هو ارقى و اعقد و اصعب من العلم المادي حيث يقول
تعالى (
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ
أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) فالله تعالى
يقرر ان للروح علم ، و هل العلم الا المعرفة باسلوب الوجود و الانتظام و عدم
الانتظام .

from Blogger http://ift.tt/2cnQnGx
via IFTTT

عيد غريب


العيد شيء رقيق جداً، تعلّمناه كما تعلمنا حمل حقائبنا. إنّه ناعم كبشرة حلم صيفي يصنع منّا فراشات للربيع. كم كنت سعيداً
حينما رأيت قلبه الدافئ. لقد أبهرتني شلالاته الوحيدة، كانت هادئة كضفيرة فتاة تلعب
في حديقة من الزهور البيضاء. ذلك العيد الذي ممرنا به يوماً، و تلمّسنا كفّيه
الناعستين،
إنّني أراه بوضوح وهو يزرع حقله بحكايات بلّلت جبينها قطرات المطر. ذلك العيد القادم من مدن بعيدة.  لقد رأيته بمعطفه الحريري يتلفت وسط  الشارع كرجل غريب، يحيي بائع الزهور. يسيل في أوردتنا كرسالة عشق، فيطير بنا الى جزر من
ثلج. كم كنت واهماً حينما ظننت أنّه
إوزة
مهاجرة.  
























from Blogger http://ift.tt/2cJTQ2F
via IFTTT

مفهوم الكتابة الابداعية ؛ كتابات عزة رجب نموذجا .

 

لقد استعمل
مصطلح الكتابة الابداعية
( Creative writing) بشكل موسع افقده واقعيته ، حتى انك تجد مواقع تضع هذا
العنوان الا انها لا تشتمل جميع موادها على مواصفاته . و من جهة أخرى فان مصطلح
الكتابة الادبية
(
Literary writing)
 قد
ضيّق الى حد صار لا يستعمل الا في الأدب الابداعي ,و هذا خطأ  منتشر لا مبرّر له.

لا ريب ان كل أدب أو محاولة أدبية هي تعامل  غير عادي ورقيق مع اللغة ، يخرجها من العادية و
الابتذال الى حالة من الانتقاء و الخصوصية  ، لذلك ليس لأي احد الوصاية على أيّة كتابة تخرج
من دائرة الاستعمال العادي للغة . و جمال اللغة شيء واسع أوسع بكثير مما يتصوره
البعض ،الذين يجعلون انفسهم اوصياء على الأدب.  ومن هنا فكل اشارة سلبية الى اية كتابة فهي تقع
في خانة اللاواقعية و اللاموضوعية ، لذلك نجد مدارس النقد الحديثة تتجه نحو البحث
عن الجمال في الاشياء دون التعرض الى التقييم ، بمعنى اخر يمكننا القول انّ عصر
التقييم و الوصاية قد انتهى و وولّى من دون رجعة ، و الناقد الوصي قد مات دون حياة
أخرى تحت أيّة ذريعة .
اذن ما هو واقعي و موضوعي هو البحث عن النموذج و المثال  و المهارة و ليس التقييم و الوصاية ، و حينما
نتحدث عن الابداع و المبدع فلا يعني ذلك وضع معايير للكتابة الادبية بل يعني
بالضبط بيان مستويات الكتابة الادبية و بيان الحالات النموذجية و المثالية و حالات
المهارة سواء من جهة ادبية الكتابة او من جهة تجنيسها . بمعنى آخر ان من وضيفة
النقد و البحث الادبي ليس تقييم النصوص بل البحث عن النص الماهر و المتقدم و
المضيف و المؤثر في سيرة الادب و بهذا الفهم يمكن. ازالة الضبابية عن مصطلح (الكتابة
الابداعية  ) فيعلم  انها حالة اخرى مختلفة عن (الكتابة الادبية)
.فالنص الادبي هو كلّ تعامل رقيق مع اللغة  ، بينما النص الابداعي هو مستوى رفيع و مهاري من
التعامل الرقيق مع اللغة .
من هنا يكون واضحا ان وظيفة النقد لها مستويان ؛المستوى  الاول الجواب 
عن سؤال  ما الذي يجعل الكتابة
المعينة أدبية؟  وهذا المجال يمكن ان نسميه
مجال او علم (. الكتابة الادبية  ) ، و
المستوى الثاني  هو الجواب عن سؤال ما الذي
يجعل الكتابة الادبية ابداعية ؟ اي ذات مستوى رفيع و مهاري. وهو ما يمكن ان نسميه
مجال او علم (الكتابة الابداعية ).   و الخطأ الشائع الذي يحصل  لدى الكثيرين هو الخلط بين  أدبية الكتابة و بين الابداع فيها ، فيوصف عمل أدبي
بانه ليس ادبيا و المراد في حقيقة الامر انه ليس ابداعيا .  
هنا في هذه
المقالة سنتناول ملامح الكتابة الابداعية ، و الخصائص التي تجعل النص الادبي
ابداعيا ، و ستكون كتابات الشاعرة عزة رجب نموذجا للابداع الشعري لما تتسم به كتابات
هذه الشاعرة من الفنية العالية  و الجمالية
الواضحة .
    و لتحقيق
الكتابة الابداعية لابد من توافر عوامل  أهمها
التجربة الادبية  ،و الكاتب مهما كانت
ادبيته  اي شعوره باللغة فانه من دون تجربة
 لن يتمكن من كتابة  نص ادبي ابداعي .و في الحقيقة بينما نجد عنصر
الادبية. اي الحس المرهف باللغة و الاستعمال الرقيق لها حاضرا عند كثير من الكتاب بل
و القراء ، الا ان عنصر التجربة مفقود عند الكثيرين   لذلك
فان كتابات صاحب الحسّ المرهف تكون ضمن الجميل منها  الا انها تكون طارئة و ناتجة عن تقليد و ليس
فيها اضافة .  
ان الاسباب التي تكوّن تجربة للكاتب و رؤية متميزة له كثيرة و معقدة و ليست موضوع
بحثنا الان و ربما سنتعرض لها في مناسبات اخرى  بعد اكتمال المعطيات ، لكننا هنا سنتحدث عن
المظاهر التي تتجلى فيها التجربة الادبية .
 تتمظهر التجربة موضوعيا و خارجيا بالتمكن من
التقنيات الفنية و بعمق الكتابة و سعة الادراك الجمالي .  و هنا سنتناول كتابات الشاعرة المبدعة عزة رجب
كنموذج للابداع الادبي لما تتصف به من سعة التجربة الفنية و عمق الرؤية الادبية و
لما تشتمل عليه كتاباتها من مظاهر جلية للتجربة الادبية .

١-   التقنيات الفنية في الكتابة

الكتابة
الأدبية أولا و اخيرا هي محاولة ابداعية في اللغة أي هي استعمال غير عادي لها يرتكز
على البعد الفني فيها ، و لأجل تحقيق هذه الغاية لا بد من توفر قدرة و امكانية في
جهة ادبية الادب و تجنسيه . و في خصوص الشعر لا بدّ من امتلاك العناصر الكتابية
للكتابية الشعرية ، و رغم سعة الافكار حول شعرية النص الا ان جوهر الشعر هو التقاط
العامل الجمالي العميق و طرحه الى المتلقي بمعادل  تعبيري ، و اقتصار الكتابة على العنصر الاول لا
تخرجها من الموهبة و اما اقتصارها على الثاني فلا تخرجها من عملية التلاعب
بالالفاظ ، بل لا بد لأجل تحقيق نص شعري من التكامل بين جهة العامل الجمالي و
المعادل التعبيري . و يمكن فهم العامل الجمالي الشعري  انه المعنى الجمالي العميق في الوعي و ان عملية
التقاطه و تحصيله هي عملية كشف ، ثم يعمد المبدع الى اظهاره و ابرازه للمتلقي
بصيغة نصية كتابية اهمها  في الشعر الصورة الشعرية
.
عزة رجب شاعرة
متمكنة من أدواتها و نصوصها و عباراتها النصية مشتملة دوما على التكامل التعبيري
بين العوامل الجمالية و المعادلات التعبيرية . و نجد هذا جليا في جميع نصوصها و
كمثال هنا نأخذ قصيدة ( ماؤك يتسرب نحوي  )
المنشورة في مجلة الشعر السردي (1) تقول الشاعرة :
( أقضي
ليلي في لجين قدر شائك ، أستبيحُ نجوم السماء ، و أسلب منها ما قُدر لي من ضوء ،
أرجم ظلمة الروح ، ووحشة العزلة ثم أغرف ما تسنى لي من أمنيات ، أخطفها من مُحيا
القمر ، أدسَّها في جعبة قصائدي ، وحين أفتح جراب الزمن ، أجلس القرفصاء كطفلة
تتسلى بالدرر ، والجواهر التي حصلت عليها ، أنسج من كل نجمة قصيدتي ، أنظمُ عقداً
ممتلئاً بالضوء ، أزين به جيد كلماتي و أستحيل جنيةً ، يمكنني أن أكلم الهدهد ، و
أرسله إلى قوم لم يؤمنوا بالشعر ، يرتلون قصائدي ، ويسجدون لكلمة الله في الحياة ،
يمكنني أن أتفقَّد أخبار الشمس ، وهي تدور بين مدن الله ، ترسل أشعتها بسخاء ،
وتشرب من ماء الوجود ، على حين غرة من البحر . )
المقطوعة من
السردية التعبيرية و انبثاق الشعر منها نظام جمالي عميق قد كشفت عنه الشاعرة ،
وهذا أحد التقنيات الشعرية . و الخيال يتربع المقطع الكلامي وهو كسر لمنطقية
الخطاب وهذه من تقنيات الكتابة الادبية ، من العوامل الجمالية المحورية هي النظم
اللغوية التي انكشفت للمتلقي لمجموعة من الاشياء المركزية في تلك المقطوعة .
فالنجوم – وهي
شيء عال متعال- يعرض لها صفتان غير عاديتين الاستباحة و الاستلاب ، و من خلال نظام
المثل و الانعكاسات و الرمزية ، فان العمومية الرمزية هنا تضرب الى كل ما هو عال و
متعال و نير، و تضرب الى كل ما هو قاهر و طاغ و قوي ، فيقع الكلام في خانة امتلاك
النفس الانسانية و قدرتها على التحكم و امتلاك امر الامور المتعالية ، وهذا يثير
كثير من البواطن ، و يحقق العجز و الابهار و الدهشة . ان الدهشة المتحققة بالعامل
الجمالي هي دهشة معرفية بخلاف الدهشة المتحققة بالمعادل التعبيري فانها دهشة
شعورية .
و تعود الشاعرة الى الجو المعرفي ذاته
اي امتلاك القدرة على الامور المتعالية و الاخذ منها
في قولها (ثم أغرف ما تسنى لي من
أمنيات ، أخطفها من مُحيا القمر ، أدسَّها في جعبة قصائدي ، )
و في نظام معرفي ثالث تبين الشاعرة النتيجة الوجودية لتلك الحالة
الاقتدارية  حيث تصبح ممتلكة لكل ما هو
نفيس و عال ، وهو نتاج طبيعي لحالة تحصيل الوجودات العالية ، ثم تنتقل الشاعرة الى
الفيض حيث انها تفيض بالنور و الامور العوالي .
(أجلس القرفصاء كطفلة تتسلى بالدرر ، والجواهر التي حصلت عليها ، أنسج من
كل نجمة قصيدتي ، أنظمُ عقداً ممتلئاً بالضوء ، أزين به جيد كلماتي )
و في نظام رابع  يحصل و بفعل ما
تقدم من انظمة تحول في طبيعة الذات فتنتقل الى وجود مختلف  اكثر قدرة .
(و أستحيل جنيةً ، يمكنني أن أكلم الهدهد ، و أرسله إلى قوم لم يؤمنوا
بالشعر ، يرتلون قصائدي ، ويسجدون لكلمة الله في الحياة ، يمكنني أن أتفقَّد أخبار
الشمس )
اذن هنا الشاعرة في عملية الكشف هذه و الاشراق و الاطلاع تحاكي الوعي
العميق للانسان بتحصيل القدرة و تناول الامور العالية و الاستثنائية و امتلاكها
باقتدار من ثم التحلي بها و التلبس بها حتى تختلط بالذات ثم الفيض  و من بعد ذلك الانتقال الى وجود اكثر
اقتدارا  وهذا النظام المعرفي هو أحد أهم
الغرائز و الدوافع الانسانية للاكتشاف و الحب للحياة و ما هو جديد و عميق و بعيد
المنال .
و في جهة المعادلات التعبيرية فان الشاعرة طرحت تلك المعارف و الالتقاطات و
الاشراقات و الابحارات العميقة بعبارات مجازية و شعرية و بسرد تعبيري رمزي ايحائي
يتكامل فيه الشعر بالنثر مع صور شعرية نافذة في النفس تبلغ اوجها في العبارات
التلية :
(1- أستبيحُ نجوم السماء ، 2-  أرجم ظلمة الروح ، ووحشة العزلة 3-  أغرف ما تسنى لي من أمنيات ، 4- أخطفها من مُحيا
القمر 5-  أجلس القرفصاء كطفلة تتسلى
بالدرر ، 6- أنسج من كل نجمة قصيدتي ، أنظمُ عقداً ممتلئاً بالضوء ، أزين به جيد
كلماتي 7-  و أستحيل جنيةً ، يمكنني أن
أكلم الهدهد ، 8-  و أرسله إلى قوم لم
يؤمنوا بالشعر ، يرتلون قصائدي ،9- يمكنني أن أتفقَّد أخبار الشمس ، وهي تدور بين
مدن الله ، ترسل أشعتها بسخاء ، 10- وتشرب من ماء الوجود ، على حين غرة من البحر .
)
 2- العمق الكتابي
الكتابة من دون روح و عمق انساني لن تكون سوى ورقة ميتة و سوى تلاعب فني بالكلمات
مهما كانت فنيته ،و لذلك فالكتابة المشتملة على عمق كتابي هي دوما افضل من اية
كتابة لا نفوذ روحي لها ، غارقة في الذاتية و منغلقة على نفسها .و للعمق الكتابي
مستويات الاول هو العمق الانساني اي حمل النص رسالة انسانية وهذا الذي اسميناه
(الرسالة الاجتماعية)و المستوى الاخر وهو العمق الجمالي اي الشعور العميق باللغة ،
وهذا ما اسميناه (بالرسالة الجمالية) في كتابنا التعبير الادبي . و في الحقيقة ان
الادراك و الشعور العميق باللغة و مستوى ذلك الشعور و عمقه هو اهم مظهر تتجلى فيه
تجربة الكاتب. و عزة رجب معروفة في الاهتمام بعمق الكلمات و رسالتها الانسانية و
بالفنية العالية و رسالتها الجمالية و نصوصها شواهد على ذلك منها قصيدة ( خزّافة)
المنشورة في مجلة تجديد (2) حيث تقول الشاعرة :
( تسكب أمي
شيئا من الطَّفَل ، وبعضا من روح الأرض ، و رائحة نواياها الحسنة ، تمزجه بطين طمث
الأرض الأحمر ، وبشيء من ماء الحياة ، وقليل من الأمنيات ، تقول أنها تكفي لإرسال
حياة بمذاق آخر ، ثم تضيف إليها رحلة تأمل من عينيها الفنانتين ، ومسحة من الإحساس
، ودفقة شعور بالعطاء ، و تعجن تلك الروح . تبدأ في التشكل الرحمي الأول حول رحى
يديها ، تدوُرها بين أناملها ، ماضيةً في رحلة الاستدارة ، تصرع فيها كل الهموم ،
ومضغة اليأس ، والحزن المقيت ، وتجعل أعشاش الفرح قريبة ، من الجرار الآخذة في
التلوين ، رفيعة ، طويلة، ملفوفة القد ، كأمي ، حين تقبل حاملة إحداهن ، وقد
ملأتها بماء الحياة ، تقول لي انظري إليها ، إنها جزء منك ومني ، رفيقة الطين ،
والصلصال ، وصاحبة الصوت الحزين . )
و لا نحتاج
الى كلام كثير للاشارة الى الفنية العالية و الشعرية الفذة في هذا النص الذي
يتكامل فيه الشعر الى ابعد حد محققا الرسالة الجمالية من حيث الابتكار بالسرد
التعبيري و النثروشعرية الجلية . كما ان الرسالة الانسانية واضحة ، و رمزية
الخزافة و الجرة الى العمق الانساني و الانتماء و علاقات الاتحاد بالاشياء و
تحميلها الزخم الشعوري واضح ، كما ان الشاعرة نجحت هنا في خلق ( التأريخ الرمزي )
النصي الخاص ، الذي وسع المعارف بالام و الخزافة و الجرة ، وهو من العوامل
الجمالية ايضا .

٣- سعة الادراك الجمالي  
ان طاقات اللغة لا تحد بحد و من الخطأ
جدا الاعتقاد بامتلاك المعرفة الكاملة بسحر اللغة و وجودها الجمالي الامثل ، لذلك
فالحل الوحيد أمام الطالب لها ان يوسع مداركه بها ، و ما كتابات المبدعين الا
اكتشافات جديدة في  كون اللغة الواسعة ، و
لو قلنا ان اللغة يوما بعد يوم تتوسع و انها كيان غير متناه لكان صحيحا ، وهكذا
جمالها ، و واضح لكل متابع و باحث ان اللغة من الاسرار الكونية العظمى  التي لا تفنى عجائبها .  و من هنا لا بد من الاعتراف بالعجز عن الاحاطة
بجمال اللغة و الواجب هو متابعة اللغة و الابحار فيها ما امكن . و ان هذا التوسع و
الابحار و العشق لجمال اللغة ينعكس في اعطاء الكاتب و قدرته على كتابة  تعبيرية جمالية غير عادية و احيانا غير محدودة ،
و المتابع للشاعرة عزة رجب يعلم ان عباراتها ليست من الكتابات العادية و ان نصوصها
تتجاوز التجنيس ، و لو صنفت في النصوص الحرة العابرة للاجناس لكان ذلك مناسبا  ، و هذه القدرة و الشعور العميق باللغة و
بجمالها ناتج و بلا ريب من تجربة كبيرة لهذه الكاتبة . في نص عابر للاجناس عنوانه
( مخاض طبيعي ) منشور في مجلة الشعر السردي ، تتجاوز عزة رجب التجنيس و تكتب نصا
سرديا يجمع تقنيات الشعر و القصة  تقول فيه
:
(في المساء يتوقف نقَّار
الخشب عن نقر النافذة الخشبية ، يترك المهمة للمطر ، تهطل زخَّاته المتتالية فوقها
، حتى تغتسل من أنين الغبار ، أما المدخنة التي بقيت طوال الشتاء تنفث أحزان الخشب
المحترق في أحشائها ، فقد تركت لعامود الدخان فضاء مستقيماً ، يضجُّ بكلماتها ،
وقصائد الأغصان المتفحمة ، تلتقط اليمامة التي بنت عشها قريبا أناشيد الأنين ،
تنشدها رافعة نغمة هديلها ، لصفير الريح ، وهدير موج النهر ، وسكون الغابة .
تساءلتُ عن رائحة الحزن
التي تعبق في الغابة ، كلما ضجَّ البيت بسعال المدخنة ، فعرفتُ من عصفور الدوري ،
أنها كانت تهمس له بزكامها ، متى اقتطعوا جزءاً من أخشابها ، تغادرها أرانب الدهشة
، و يتزايد مواء القطط ، و يكفُّ النحل عن أزيزه ، والنمل عن دبيبه . …)
من الواضح السردية الطاغية
هنا ، و من الواضح ايضا العمق الشعري الجلي ، و لقد بينا في كتابنا التعبير الادبي
ان ( النص الحر العابر للاجناس ) هو احد اشكال قصيدة النثر و ليس جنسا مختلفا ، و
انه مستقبل الكتابة التي ستنتهي اليه كلها عاجلا ام اجلا .


1- مجلة الشعر السردي

2- مجلة تجديد الأدبية

from Blogger http://ift.tt/2c64ceX
via IFTTT